آخر تحديث :Sun-14 Dec 2025-07:54PM
جامعة عدن

ارشيف الاخبار

هاربون من ذواتهم... (إلى أولئك الذين يحبسون أنفسهم بقضبان الادعاء والزيف والغرور)

2010-07-14

موقع جامعة عدن الالكتروني

الدكتور/ مازن احمد شمسان
أستاذ علم النفس المساعد
بكلية الآداب - جامعة عدن

عندما نراجع عبارة داروين التي ترى أن البقاء للأصلح كان القصد أن الضعيف يخور ويتهاوى أما القوي فيبقى, وكل إنسان منا يختار شعوريا أو لاشعوريا هل يواجه الحياة بقلب قوي جريء وهل يتقدم لمصارعة العدو ومقاومته أم يستسلم ويتقهقر؟ وحين تتراكم المتاعب على رؤوسنا فإننا نجد إغراء الالتجاء إلى أي شي طيبا كان أم خبيثا يساعدنا على النسيان أو على الفرار من الحقيقة المؤلمة, وإذا سألنا لماذا يفشل كثير منا في الظفر بالسعادة فان الإجابة تتعثر لان هناك عوامل كثيرة ومتداخلة ولعل هذه العوامل تمثل سموما ناقعات في مسار الحياة وعلينا أن نذكرها لتوضح لماذا يهرب الإنسان من ذاته فلا يحقق سعادته. فأسباب الهروب كثيرة ومتنوعة نذكر منها:
الميل إلى الهروب وعدم المواجهة:
يعد الفرار والهروب من الحقيقة وما يعقبها من إحساس بالتنصل من مواجهة تبعات الحياة وعدم القدرة على تقبلها من أهم أسباب الهروب من الذات, فهناك من يهرب عن طريق الإدمان - أيا كان نوعه- رغبة في إغراق أحزانهم وكوسيلة للفرار وعدم المواجهة..
وعلينا أن نقول لمثل هؤلاء ,عليكم بمواجهة الحقيقة بحيث يقوم كل فرد بواجباته والتزاماته وان تقابل الصعاب برباطة جاش وتوقف عن التغرير بنفسك فانك لن تستطيع حل مشاكلك بالفرار منها وحذار أن تأخذ مشاكلك مأخذ الجد الشديد ولا تجعل أحزانك تهزك,اعقد العزم على أن تتحدى من ألان فصاعدا كل عقبة تعترض طريقك دون أن تستسلم لها واعترف بان الأعمال العظيمة تحتاج إلى جهد ومثابرة...
الإحساس بالخوف الناتج من عدم الثقة:
فقدان الثقة وما يصاحبها من عصبية وعدم اتزان انفعالي والمخاوف المرضية المبالغ فيها والتي  يطلق عليها ( الفوبيا) وما يصاحب هذه المخاوف من الشعور بالقلق والاضطراب النفسي وتقلل  الحماس للإقبال على الحياة..
وعلينا مواجهة هذا الإحساس بالخوف بان الشجاعة هي المدخل الرئيسي لمواجهة متاعب القلق الناجم عن الإحساس بالخوف.. ويعد فهم الخوف هو نصف العلاج بدلا من التغاضي عن معرفة أسبابه وتحليليها تحليلا دقيقا فالشجاعة في المواجهة تعلمني كيف استعيد الثقة بالنفس وهي إعادة تعليم وتثقيف وهي التي تدفع إلى المواجهة...
الإحساس بالأنانية والطمع:
من الأسباب التي تؤدي إلى الهروب من الذات الأنانية والتقوقع في الذات وما يصاحب كل ذلك من طمع وجشع ومادية وإفراط في العداء والرغبة في الأخذ دون العطاء وقليل من الإنتاج مع توقع الكثير من الجزاء....
ولعلاج هذا الشعور السالب والسلوك غير المنطقي نوجه الأذهان إلى ضرورة أن تكون هناك شبكة من العلاقات الاجتماعية أساسها التبادل والتفاعل والشعور بالرضا النفسي الناشئ عن تعاون الآخرين وتقديم التضحية دون انتظار الجزاء, فحاول أن تصنع جميلا لصديقك ولا تنتظر المقابل فان اثر ابتسامتك سيشيع السرور في نفسك وهذا هو المهم ,فكن راضيا عن نفسك ومشعا في الجميع...
الشعور بالركود والملل:
ومن أعراض الهروب من الذات أن هناك من يشعر انه يسير في حياته على وتيرة واحدة لايتخللها السرور ويؤدي العمل الذي ظل يؤديه أعواما طويلة دون أن يتخلله تغيير وتسير الحياة بلا هدف وبالتالي بلا أمل..
وهنا نقول لمثل هؤلاء حاولوا أن تنوعوا في حياتكم ,فكما نفعل في تنويع الطعام لجعله شهيا, يجب أن نضع التوابل في حياتنا بان تنفس عن نفسك بضروب التسلية,فلابد من البحث عن أهداف نحققها في الحياة ونتسلح بالحماسة للحياة, وعليك إيجاد الفرص , وكن طموحا وعاقدا العزم على السير قدما إلى الأمام بروح الأمل والتفاؤل...

الشعور بالخجل ( مركب النقص ):
وهو عبارة عن الشعور بالهيبة والخجل, والإحساس بالجبن الذي يصاحبه فقدان الثقة والشعور بالنقص والميل إلى الانسحاب من الجماعة وعدم المشاركة في أمورها ....وعلينا أن نقول لهؤلاء أن الثقة للنجاح كالهواء للرئة, وان الذين يستطيعون الانتصار هم الذين يعتقدون أنهم يستطيعون, والثقة لا تكتسب ولا تورث فعود نفسك الثقة بنفسك تكسب كل الأمور لان النجاح يبدأ من اللحظة التي تغرس فيها الثقة في النفس ...
الغرور الزائد والإفراط في تقدير الذات:
هذا الشعور بالنقص المتمثل في الغرور المتطرف الذي يجعل أصحابه يشعرون بأنهم لم يخلق مثلهم فيصابون بالخيلاء والكبرياء الزائف, ولهؤلاء نقول أن التواضع هو أساس إقامة الحياة السوية ,هو الذي يغذي شعور الفرد بان يقدر الأخر ويشعر بقيمته وعلينا أن لاننشد الشهرة بطريقة ممقوتة,فالغرور يجعل أصحابه يفقدون أصحابهم بسهولة ,وفقدان الأصدقاء ينشر التعاسة, فالثقة بالنفس إذا زادت من حدتها أصبحت عائقا فلأتكون ذلك الذي يدعي انه يعرف كل شيء وتعلّم عن طريق الأصدقاء, وكن منصتا جيدا ومصغيا أمينا ولتعلم أن التواضع طبيعة عند كل نوابغ الأشخاص, والناس يتقبلوك على حقيقتك لا على ماتحاول الظهور به..
عدم التسامح والكراهية:
من أهم دلائل الهروب من الذات أن يكره الفرد من يتعامل معهم ,ويذمهم وينتقدهم فلا يرى إلا نفسه فقط دون أن يتغاضى أو يتسامح فيصبح جامدا في التعامل فيصاب بالقسوة لأنه لا يستعد للتسامح أو التعامل السوي مع الآخرين, وهذا الشعور الغريب الكاره نتيجة عدم التسامح لايعالج إلا بالحب والتعاطف فهو ترياق لهذا الشعور غير المتسامح ..فعلى هؤلاء أن يطهروا أنفسهم من الحقد والكراهية وعليهم أن يتعلموا كيف يصفحون وينسون أن الكراهية تصنع الشقاء والتعاسة, والناس الذي يكرهون, يكرهون أنفسهم لأنهم يكرهون,أن الحب هو الترياق للكراهية وان الحب هو أقوى مايملكه الإنسان....
أن الهروب من الذات هو حكم من بعض الأفراد على أنفسهم بان يسجنوا ذواتهم في زنزانة الأنانية والخوف والكراهية وعدم التسامح والغرور الزائف وان يحبسوا أنفسهم بين قضبان الادعاء والزيف وعدم الدفء للآخرين ولهذه التصرفات غير الواعية تراهم ينغمسون في هذا المستوى الذي وصلوا إليه في دائرة مغلقة ضيقة خانقه لايرون فيها إلا مصلحتهم الشخصية.
إن الإنسان الراقي هو الذي يخرج عن دائرة ذاته ولا يغلق على نفسه بعيدا عن   المشاركة الفعالة ,فالإنسان عطاء ومحبة وتفاعل وتعاون مع الأخر, فقد وجد الإنسان من اجل الأخر يعطي مخلصا, ويوظف إرادته دوما لعمل الخير ويتجه إلى الحياة بروح مشرقة معبرة عن الوفاء والصدق والحب والخلق الرفيع,,.......